نسبه
هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و اسمه شيبة الحمد بن هاشم و اسمه عمرو بن عبد مناف و اسمه المغيرة بن قصي و اسمه زيد بن كلاب و اسمه حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر و اسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة و اسمه عامر بن الياس بن مضر و اسمه عمرو بن نزار بن معد بن عدنان. و نسبه إلى عدنان متفق عليه و بعد عدنان فيه اختلاف كثير , و الثابت أن عدنان من ولد إسماعيل -و كنيته- أبو القاسم.بن إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - بن تارح ، وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالخ [ ص: 3 ] بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس النبي فيما يزعمون والله أعلم ، وكان أول بني آدم أعطى النبوة ، وخط بالقلم - ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن آدم صلى الله عليه وسلم
-و أمه- آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.و أمها برة بنت أسد بن عبد العزى و كان وهب سيد بني زهرة خطبها لعبد الله و زوجه بها أبوه عبد المطلب و كان سن عبد الله يومئذ "أربعا و عشرين" سنة....
حمله المبارك
مولده الميمون
ولادة رسول الله قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال ولد رسول الله - - يوم الاثنين ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل .
قال ابن إسحاق : وحدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة . قال
ولدت أنا ورسول الله - - عام الفيل فنحن لدتان .
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري . قال حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت ، قال والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له ويلك ما لك ؟ قال طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به .
قال محمد بن إسحاق فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقلت : ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله - - المدينة ؟ فقال ابن ستين وقدمها رسول الله - - وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين .
قال ابن إسحاق : فلما وضعته أمه - - أرسلت إلى جده عبد المطلب : أنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه فأتاه فنظر إليه وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت به أن تسميه .
فصل في المولد
في تفسير بقي بن مخلد أن إبليس - لعنه الله - رن أربع رنات رنة حين لعن ورنة حين أهبط ورنة حين ولد رسول الله - - ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب . قال والرنين والنخار من عمل الشيطان . قال ويكره أن يقال أم الكتاب ولكن فاتحة الكتاب . وروي عن عثمان بن أبي العاص عن أمه أم عثمان الثقفية واسمها : فاطمة بنت عبد الله قالت " حضرت ولادة رسول الله - - فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورا ، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علي " . ذكره أبو عمر في كتاب النساء . وذكره الطبري أيضا في التاريخ . وولد رسول الله - - معذورا مسرورا ، أي مختونا مقطوع السرة يقال عذر الصبي وأعذر . إذا ختن وكانت أمه تحدث أنها لم تجد حين حملت به ما تجده الحوامل من ثقل ولا وحم ولا غير ذلك ولما وضعته - - وقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يديه مشيرا بالسبابة كالمسبح بها ، وذكر ابن دريد أنه ألقيت عليه جفنة لئلا يراه أحد قبل جده فجاء جده والجفنة قد انفلقت عنه ولما قيل له ما سميت ابنك ؟ فقال محمدا ، فقيل له كيف سميت باسم ليس لأحد من آبائك وقومك ؟ فقال إني لأرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب ، وقد ذكر حديثها علي القيرواني العابر في كتاب البستان . قال كان عبد المطلب قد رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض وطرف في المشرق وطرف في المغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها ، فقصها ، فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض فلذلك سماه محمدا مع ما حدثته به أمه حين قيل لها : إنك حملت بسيد هذه الأمة فإذا وضعته فسميه محمدا . الحديث .
اسم محمد وأحمد
قال المؤلف لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله - - إلا ثلاثة طمع آباؤهم - حين سمعوا بذكر محمد - - وبقرب زمانه وأنه يبعث في الحجاز - أن يكون ولدا لهم . ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول وهم محمد بن سفيان بن مجاشع ، جد جد الفرزدق الشاعر والآخر محمد بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جمحى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، والآخر محمد بن حمران بن ربيعة ، وكان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك وكان عنده علم من الكتاب الأول فأخبرهم بمبعث النبي - - وباسمه وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا ، فنذر كل واحد منهم إن ولد له ذكر أن يسميه محمدا ، ففعلوا ذلك .
قال المؤلف وهذا الاسم منقول من الصفة فالمحمد في اللغة هو الذي يحمد حمدا بعد حمد ولا يكون مفعل مثل مضرب وممدح إلا لمن تكرر فيه الفعل مرة بعد مرة . وأما أحمد فهو اسمه - - الذي سمي به على لسان عيسى وموسى - عليهما السلام - فإنه منقول أيضا من الصفة التي معناها التفضيل فمعنى أحمد أي أحمد الحامدين لربه وكذلك هو المعنى ; لأنه تفتح عليه في المقام المحمود محامد لم تفتح على أحد قبله فيحمد ربه بها ; ولذلك يعقد له لواء الحمد .
وأما محمد فمنقول من صفة أيضا ، وهو في معنى : محمود . ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فالمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة كما أن المكرم من أكرم مرة بعد مرة وكذلك الممدح ونحو ذلك . فاسم محمد مطابق لمعناه والله - سبحانه - وتعالى سماه به قبل أن يسمي به نفسه فهذا علم من أعلام نبوته إذ كان اسمه صادقا عليه فهو محمود - عليه السلام - في الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة وهو محمود في الآخرة بالشفاعة فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ ثم إنه لم يكن محمدا ، حتى كان أحمد حمد ربه فنبأه وشرفه فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى - - فقال اسمه أحمد وذكره موسى - - حين قال له ربه تلك أمة أحمد فقال اللهم اجعلني من أمة أحمد فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له فلما وجد وبعث كان محمدا بالفعل .
وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه فيكون أحمد الحامدين لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته .
فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر والوجود وفي الدنيا والآخرة تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهذين الاسمين وانظر كيف أنزلت عليه سورة الحمد وخص بها دون سائر الأنبياء وخص بلواء الحمد وخص بالمقام المحمود وانظر كيف شرع لنا سنة وقرآنا أن نقول عند اختتام الأفعال وانقضاء الأمور الحمد لله رب العالمين . قال الله سبحانه وتعالى : وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين [ الزمر 75 ] . وقال أيضا : وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [ يونس 10 ] تنبيها لنا على أن الحمد مشروع لنا عند انقضاء الأمور .
وسن - - الحمد بعد الأكل والشرب وقال عند انقضاء السفر آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ثم انظر لكونه - عليه السلام - خاتم الأنبياء ومؤذنا بانقضاء الرسالة وارتفاع الوحي ونذيرا بقرب الساعة وتمام الدنيا مع أن الحمد كما قدمنا مقرون بانقضاء الأمور مشروع عنده - تجد معاني اسميه جميعا ، وما خص به من الحمد والمحامد مشاكلا لمعناه مطابقا لصفته وفي ذلك برهان عظيم وعلم واضح على نبوته وتخصيص الله له بكرامته وأنه قدم له هذه المقدمات قبل وجوده تكرمة له وتصديقا لأمره - - وشرف وكرم .
[عدل] رضاعه
أرضعته أولا ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة و كانت أرضعت قبله عمه حمزة.فكان رسول الله يبعث إليها من المدينة بكسوة و صلة حتى ماتت فسأل عن ابنها مسروح فقيل مات فسأل عن قرابتها فقيل ماتوا. يكرمها و تكرمها زوجته خديجة أم المؤمنين و أعتقها أبو لهب بعد الهجرة فكان
ثم أرضعته حتى شب حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله السعدية من بني سعد بن بكر و كان أهل مكة يسترضعون لأولادهم نساء أهل البادية طلبا للفصاحة و لذلك قال أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش و استرضعت في بني سعد.فجاء عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع و فيهن حليمة فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة و كان معها زوجها الحارث المكني أبا ذؤيب و ولدها منه عبد الله فعرض عليها رسول الله فقالت يتيم و لا مال له و ما عست أمه إن تفعل فخرج النسوة و خلفنها فقالت لزوجها ما ترى قد خرج صواحبي و ليس بمكة غلام يسترضع إلا هذا الغلام اليتيم فلو أنا أخذناه فإني أكره أن أرجع بغير شيء فقال لها خذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا فأخذته فوضعته في حجرها فدر ثدياها حتى روي و روي أخوه و كان أخوه لا ينام من الجوع فبقي عندها سنتين حتى فطم فقدموا به على أمه زائرين لها و أخبرتها حليمة ما رأت من بركته فردته معها ثم ردته على أمه و هو ابن »خمس سنين و يومين«.
و قدمت حليمة على رسول الله بعد ما تزوج فبسط لها رداءه و أعطتها خديجة أربعين شاة و أعطتها بعيرا.و جاءت إليه يوم حنين فقام إليها و بسط لها رداءه فجلست عليه.
و جاءه وفد هوازن يوم حنين و فيهم أبو ثروان أو أبو برقان عمه من الرضاعة و قد سبي منهم و غنم و طلبوا أن يمن عليهم فخيرهم بين السبي و الأموال فقالوا خيرتنا بين أحسابنا و أموالنا و ما كنا لنعدل بالأحساب شيئا فقال أما ما لي و لبني عبد المطلب فهو لكم و سأسأل لكم الناس فقال المهاجرون و الأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله و أبى بعض المؤلفة قلوبهم من قبائل العرب و قبائلهم فأعطاهم إبلا عوضا من ذلك و يأتي تفصيله في وقعة حنين و جاءوا يوم حنين بأخته من الرضاعة و هي الشيماء بنت الحارث فقالت يا رسول الله إني أختك من الرضاعة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه و قال إن أحببت فعندي محببة مكرمة و إن أحببت أن أعطيك و ترجعي إلى قومك فقالت بل تعطيني و تردني إلى قومي.
كفالة عبد المطلب النبي
كفل النبي بعد أبيه جده عبد المطلب و قام بتربيته و حفظه أحسن قيام و رق عليه رقة لم يرقها على ولده و كان يقربه منه و يدنيه و لا يأكل طعاما إلا أحضره و كان يدخل عليه إذا خلا و إذا نام و يجلس على فراشه فيقول دعوه. و لما صار عمره »ست سنين« و ذلك بعد مجيئه من عند حليمة بسنة أخرجته أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به و معه أم أيمن تحضنه فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت به أمه إلى مكة فتوفيت بالأبواء بين المدينة و مكة فعادت به أم أيمن إلى مكة إلى جده عبد المطلب و بقيت تحضنه فبقي في كفالة عبد المطلب من حين وفاة أبيه ثمان سنين.و توفي عبد المطلب و عمره »ثمانون سنة« فلما حضرته الوفاة أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله و حياطته و كفالته و لم يكن أبو طالب أكبر إخوته سنا و لا أكثرهم مالا فقد كان الحارث أسن منه و العباس أكثرهم مالا لكن عبد المطلب اختار لكفالته أبا طالب لما توسمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله و لأنه كان على فقره أنبل إخوته و أكرمهم و أعظمهم مكانة في قريش و أجلهم قدرا فكفله أبو طالب و قام برعايته أحسن قيام، و كان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده و كان لا ينام إلا إلى جنبه و يخرج فيخرج معه و صب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط و كان يخصه بالطعام و كان أولاده يصبحون رمصا شعثا و يصبح رسول الله كحيلا دهبنا] دهينا[ و كان أبو طالب توضع له وسادة بالبطحاء يتكئ عليها أو يجلس عليها فجاء النبي البيات فكان يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه فقال له علي ليلة يا أبة إني مقتول فقال له أبو طالب: إصبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوب قد بذلناك و البلاء شديد لفداء الحبيب و ابن الحبيب لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب و الباع و الكريم النجيب إن تصبك المنون فالنبل تبرى فمصيب منها و غير مصيب كل حي و إن تملى بعمر آخذ من مذاقها بنصيب و استسقى به أبو طالب و هو صغير. أخرج ابن عساكر إن أهل مكة قحطوا فخرج أبو طالب و معه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنها سحابة قتماء فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة و لاذ الغلام بأصبعه و ما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا و هاهنا و أغدق و اخصبت الأرض و في ذلك يقول أبو طالب: و أبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل تلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل و شهد الفجار و هو ابن »عشرين سنة« -و الفجار- من حروب العرب المشهورة كانت بين قيس و بين قريش و كنانة فكانت الدبرة أول النهار لقيس على قريش و كنانة ثم صارت لقريش و كنانة على قيس قال رسول الله حضرته مع عمومتي و رميت فيه بأسهم و ما أحب أني لم أكن فعلت.و سميت الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم. فجلس عليها فقال أبو طالب إن ابن أخي هذا ليحس بنعيم و خرج به معه إلى الشام و هو ابن »اثنتي عشرة سنة« بعد ما عزم على إبقائه بمكة لكنه أبى إلا أن يصحبه فأخذه معه حتى بلغ به بصري فرآه بحيرا الراهب، و لم يزل أبو طالب يكرمه و يحميه و ينصره بيده و لسانه طول حياته.و حكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب إن أبا طالب كان كثيرا ما يخاف على رسول الله
حلف الفضول
و حضر حلف الفضول و كان منصرف قريش من الفجار و كان أشرف حلف و أول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم و زهرة و تيم في دار عبد الله بن جدعان فتعاقدوا و تعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة، و في التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول و لا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا الحلف قال رسول الله ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم و لو دعيت به لأجبت.
زوجاته
و خرج إلى الشام في تجارة لخديجة و هو ابن »خمس و عشرين سنة« مع غلامها ميسرة و كانت خديجة ذات شرف و مال تستأجر الرجال في تجارتها و لما علم أبو طالب بأنها تهيء تجارتها لإرسالها إلى الشام مع القافلة قال له: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي و قد اشتد الزمان علينا و قد بلغني أن خديجة استأجرت فلانا ببكرين و لسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها قال ما أحببت فقال لها أبو طالب هل لك أن تستأجري محمدا فقد بلغنا أنك استأجرت فلانا ببكرين و لسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار فقالت لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف و قد سألته لحبيب قريب فقال له أبو طالب هذا رزق و قد ساقه الله إليك فخرج مع ميسرة بعد أن أوصاه أعمامه به و باعوا تجارتهم و ربحوا أضعاف ما كانوا يربحون و عادوا فسرت خديجة بذلك و وقعت في نفسها محبة النبي و حدثت نفسها بالتزوج به و كانت قد تزوجت برجلين من بني مخزوم توفيا و كان قد خطبها أشراف قريش فردتهم فتحدثت بذلك إلى أختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت منية فذهبت إليه و قالت ما يمنعك أن تتزوج قال ما بيدي ما أتزوج به قالت فإن كفيت ذلك و دعيت إلى الجمال و المال و الشرف و الكفاءة ألا تجيب قال فمن هي قالت خديجة قال كيف لي بذلك قالت علي ذلك فأجابها بالقبول و خطبها إلى عمها أو أبيها و حضر مع أعمامه فزوجها به عمها لأن أباها كان قد مات و قيل زوجها أبوها و أصدقها عشرين بكرة و انتقل إلى دارها و كان ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين و أيام و عمرها »أربعون سنة« و كانت امرأة حازمة جلدة شريفة آمنت برسول الله أول بعثته و إعانته بأموالها على تبليغ رسالته و خففت من تألمه لخلاف قومه و قوت عقيدته ببراهين نبوته أول ظهورها و عزيمته في المضي لما بعث به.و قد جاء أنه إنما قام الإسلام بأموال خديجة و سيف علي بن أبي طالب و لذلك كان رسول الله يرى لها المكانة العظمى في حياتها و بعد وفاتها التي كان لا يراها لواحدة من أزواجه.
بناء الكعبة المعظمة
و بنيت الكعبة و هو ابن »خمس و ثلاثين سنة« و كانت قد تشعثت من السيل فخافت قريش من هدمها ثم أقدمت عليه فلما بلغ البناء موضع الحجر الأسود اختلفت بينها فيمن يضعه في مكانه و كل قبيلة أرادت ذلك لنفسها حتى كادت تقع فتنة0واتفقواعلى أن يحكم بينهم أول داخل عليهم من باب شيبه ( باب السلام)0 وقد دخله صدفه ثم رضوا بحكمه فحكم أن يوضع الحجر في ثوب و يحمل أطرافه من كل قبيلة رجل فرضوا بذلك ثم أخذه من الثوب و وضعه في مكانه.
صفته في خلقه و حليته
و قد جاءت صفته هذه في كلام أم معبد و أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - و أنس بن مالك و هند بن أبي هالة و في كلامهم مع ذلك صفة بعض أخلاقه و أفعاله و لم نفصل بين الأمرين ليتبع الكلام بعضه بعضا و لا يكون مبتورا. وصفته أم معبد الخزاعية حين مر عليها في هجرته إلى المدينة كما يأتي حين قال لها زوجها صفيه لي.فقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة -1- الثجلة بالضم عظم البطن و لم تزر به صعلة -2- لم تعبه دقة و نحول وسيم قسيم -3- أعطي كل شيء منه قسمه من الحسن في عينيه دعج و في أشفاره وطف و في صوته صحل -4- الصحل البحوحة أحور -5- الحور شدة بياض بياض العين و سواد سوادها و لا ينافيه ما ورد إن في عينيه حمرة دائما لأن وجود الحمرة في جانب لا ينافي شدة بياض ما ليس فيه حمرة. أكحل أزج أقرن -6- مقرون الحاجبين متصل أحدهما بالآخر. شديد سواد الشعر في عنقه سطع -7- طول. و في لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار و إن تكلم سما و علاه البهاء و كان منطقه خرزات نظم يتحدرن أجهر -8- جهر الرجل كمنع عظم في عينيه و راعه جماله و هيأته و جهر ككرم فخم بين عيني الرائي و الأجهر الحسن المنظر. الناس و أبهاه من بعيد و أحلاه و أحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر و لا هذر ربعة لا تشنؤه من طول و لا تقحمه -9- لا تحتقره. عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا و أحسنهم قدا له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله و إن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس و لا مفند. -10- إن قرئ بصيغة الفاعل فمعناه ليس بكثير اللوم و التخطئة لغيره و إن قرئ بصيغة المفعول فمعناه إنه لا يجرؤ أحد على تخطئته و تفنيد رأيه. و قيل لأمير المؤمنين علي عليه السلام كيف لم يصف أحد النبي كما وصفته أم معبد قال لأن النساء يصفن الرجال بأهوائهن فيجدن في صفاتهن. و وصفه علي أمير المؤمنين عليه السلام روى ذلك ابن سعد في الطبقات بعدة روايات بينها بعض التفاوت و الاختلاف في الألفاظ و كأنه وصفه عدة مرار و نحن نجمع بينها و نذكر حاصلها قال عليه السلام: كان أبيض اللون مشربا حمرة أدعج العين سبط الشعر أسوده -و في رواية لم يكن بالجعد القطط و لا السبط كان جعدا رجلا- كث اللحية -11- كثيفها. سهل الخد صلت الجبين ذا وفرة دقيق المسربة -12- المسربة بضم الراء ما دق من شعر الصدر سائلا إلى السرة. -و في رواية طويل المسربة- كأن عنقه إبريق فضة -13- معناه كان عنقه سيف فضة لأن الإبريق في اللغة السيف البراق و في السيرة الحلبية الإبريق السيف الشديد البريق. له شعر من لبته إلى سرته يجري كالقضيب ليس في بطنه و لا صدره شعر عيره]غيره[ شثن الكف و القدم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب -14- الصبب بالتحريك ما انحدر من الأرض كناية عن مشيه بقوة و هي مشية أصحاب الهمم العلية و من قلبه حي بخلاف الماشي متهاونا كالخشبة أو طائشا ينزعج فالأول يدل على الخمول و موت القلب و الثاني على خفة الدماغ و موت القلب. و إذا مشى كأنما ينقلع من صخر -15- أي يرفع رجله بقوة. -و في رواية- إذا مشى تقلع -1- في الفائق تقلع ارتفع قدمه على الأرض ارتفاعة كما تنقلع عنها و هو نفي للاختيال في المشي. كأنما ينحدر من صبب أو كأنما يمشي في صبب -و في أخرى-إذا مشى تكفأ -2- تكفأ تمايل إلى قدام لأن ذلك أقرب إلى الوقار و التواضع و لا ينصب قامته و لا يؤخر صدره و يتمايل إلى وراء لأن ذلك فعل المتكبرين و المختالين. كأنما يمشي في صعد -3- الصعد بفتحتين خلاف الصبب أي كأنما يمشي في موضع عال.و كل هذه الصفات من قوله كأنما ينحدر من صبب كأنما ينقلع من صخر إذا مشى تقلع و ما يأتي في حديث ابن أبي هالة إذا زال زال قلعا كناية عن أن مشيه بقوة و عزم كمشي الاشداء كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا لا كمشي الكسالى الذين يجرون أرجلهم جرا أو المختالين الذين يتمايلون في مشيهم. -و في رواية تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب- إذا التفت التفت جميعا كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ و لريح عرقه أطيب من المسك الأذفر إذا جاء مع القوم غمرهم -4- في النهاية غمرهم أي كان فوق كل من معه من قولهم ماء غمر يغمر من دخله و يغطيه. ليس بالقصير و لا بالطويل -و في رواية- كان ربعة من القوم -و في رواية- ليس بالذاهب طولا و فوق الربعة -و في أخرى- و هو إلى الطول أقرب.و لا بالعاجز و لا اللئيم لم أر قبله و لا بعده مثله تدوير أجرد -5- الأجرد ضد الأشعر و هو الذي على جميع بدنه شعر أي ليس على جميع بدنه شعر بل على أماكن منه كالمسربة و الساعدين و الساقين-المؤلف- أجود الناس كفا و أجرأ الناس قلبا و أوسع الناس صدرا و أصدق الناس لهجة و أوفى الناس بذمة و ألينهم عريكة و أكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه -6- لما يرى فيه من الوقار و الجلال و ملامح العزم و الحزم و قوة الإرادة و علو الهمة و شدة البأس. و من خالطه معرفة أحبه -7- لما يرى فيه من سعة الصدر و حسن الخلق و البر و الجود و كرم العشرة. يقول باغته -أو ناعته- لم أر قبله و لا بعده مثله »اه«.
و مما وصفه به بوابه أنس بن مالك فيما رواه ابن سعد في الطبقات فقال: ليس بالأبيض الأمهق -8- الأمهق الكريه البياض كلون الجص. و لا بالآدم -9- الشديد السمرة. -و في رواية- كان أسمر و هو ينافي الروايات الكثيرة القائلة أنه كان أبيض مشربا بحمرة: و ما شممت مسكة و لا عنبرة أطيب من ريحه كثير العرق.و سئل سعد بن أبي وقاص كما في طبقات ابن سعد هل خضب رسول الله قال لا كان شيبه في عنفقته و ناصيته و لو أشاء أعدها لعددتها.و روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن الحسن بن علي عليه السلام أنه سأل خاله هند بن أبي هالة التميمي عن حلية رسول الله و كان وصافا فقال: كان رسول الله فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع و أقصر من المشذب -10- المشذب الطويل البائن الطول مع نقص في لحمه و أصله من النخلة الطويلة التي شذب عنها جريدها. عظيم الهامة رجل الشعر -11- أي ليس شديد السبوطة و لا الجعودة بل بينهما. إن انفرقت عقيصته فرق و إلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره -12- في السيرة الحلبية أي إذا انفرقت من ذات نفسها فرقها أي إبقاها مفروقة و إلا تركها على حالها معقوصة و وفره أي جعله وفرة. أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن.بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم -13- العرنين الأنف و القنا طوله و دقة أرنبته مع حدب في وسطه و الشمم ارتفاع قصبته و استواء أعلاه و أشراف الأرنبة قليلا أي أن الحدب في أنفه قليل جدا لا يدركه إلا المتأمل و لذلك يحسبه من لم يتأمله أشم. كث اللحية ضليع الفم -14- أي عظيمة و قيل واسعة و العرب تعد ذلك مدحا و غيره ذما. مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك -15- المتماسك الذي يمسك بعض أعضائه بعضا فهو معتدل الخلق. سواء البطن و الصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة و السرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين و البطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين و المنكبين و أعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة سبط القصب -16- القصب بالتحريك عظام الأصابع و كل عظم مجوف فيه مخ. شثن الكفين و القدمين سائل الأطراف -17- أي ممتدها و في النهاية رواه بعضهم بالنون و هو بمعناه كجبريل و جبرين. خمصان الأخمصين -18- الأخمص بفتح الميم من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء و الخمصان بضم الخاء المبالغ منه أي إن ذلك الموضع من أسفل قدميه شديد التجافي عن الأرض. مسيح القدمين ينبو عنهما الماء -19- مسيح القدمين أي ملسا و إنهما لينتان ليس فيهما تكسر و لا شقاق فإذا أصابهما الماء نبا عنهما و لم يستقر. إذا زال زال قلعا -20- الظاهر أنه بفتح القاف و سكون اللام أي إذا مشى كأنه ينقلع من الأرض قلعا و مر تفسيره في الحواشي السابقة.و في النهاية لابن الأثير: في حديث ابن أبي هالة في صفته إذا زال زال قلعا يروى بالفتح و الضم فبالفتح مصدر بمعنى الفاعل أي يزول قالعا لرجله من الأرض و بالضم إما مصدر أو اسم و هو بمعنى الفتح و قال الهروي : قرأت هذا الحرف في كتاب غريب الحديث لابن الأنباري قلعا بفتح القاف و كسر اللام و كذا قرأته بخط الأزهري و هو كما جاء في حديث آخر كأنما ينحط من صبب و الانحدار من الصبب و التقلع من الأرض قريب بعضه من بعض أراد أنه كان يستعمل التثبت و لا يبين منه في هذه الحال استعجال و مبادرة شديدة»اه«. يخطو تكفؤا -21- مر تفسيره. و يمشي هونا -22- الهون الرفق و اللين و التثبت. ذريع المشية -23- سريع المشي واسع الخطو. خافض الصوت نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء -24- و ذلك أقرب إلى الوقار و التواضع. جل نظره الملاحظة -25- أي قلما ينظر تحديقا. يسبق من لقيه بالسلام و يبدر أصحابه بالمصافحة دائم الفكرة ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت يتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول و لا تقصير دمثا -26- لين الخلق سهله أصله من دمث المكان إذا لان و سهل.
ليس بالجافي و لا المهين يعظم النعمة و إن دقت لا يذم ذواقا -27- الذواق كسحاب فعال بمعنى مفعول أي المأكول و المشروب. و لا يمدحه لا تغضبه الدنيا و ما كان لها فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد -28- فلا يراعي أحدا في الحق. و لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها و إذا تعجب قلبها و إذا تحدث يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى و إذا غضب أعرض و أشاح -29- أصل الإشاحة الجد في الأمر و أشاح هنا أي جد في الأعراض و يحتمل أن يكون هنا بمعنى أعرض و نحا وجهه.و في تاج العروس أشاح بوجهه عن الشيء نحاه و في صفته إذا غضب أعرض و أشاح و قال ابن الأعرابي أعرض بوجهه و أشاح أي جد في الأعراض قال و المشيح الجاد و إذا نحى الرجل وجهه عن وهج أصابه أو عن أذى قيل قد أشاح بوجهه »أه«. و إذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم و يفتر عن مثل حب الغمام»اه«.
أخلاقه و أطواره و آدابه
قال ابن شهرآشوب في المناقب: أما آدابه فقد جمعها بعض العلماء و التقطها من الأخبار.
كان النبي أحكم الناس و أحلمهم و أشجعهم و أعدلهم و أعطفهم و أسخاهم لا يثبت عنده دينار و لا درهم لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر و الشعير و يضع سائر ذلك في سبيل الله ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء و كان يجلس على الأرض و ينام عليها و يخصف النعل و يرقع الثوب و يفتح الباب و يحلب الشاة و يعقل البعير و يطحن مع الخادم إذا أعيا و يضع طهوره بالليل بيده و لا يجلس متكئا و يخدم في مهنة أهله و يقطع اللحم و لم يتجشأ قط و يقبل الهدية و لو أنها جرعة لبن و يأكلها و لا يأكل الصدقة و لا يثبت بصره في وجه أحد يغضب لربه و لا يغضب لنفسه و كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع يأكل ما حضر و لا يرد ما وجد لا يلبس ثوبين يلبس بردا حبرة يمنية و شملة و جبة صوف و الغليظ من القطن و الكتان و أكثر ثيابه البياض و يلبس القميص من قبل ميامنه و كان له ثوب للجمعة خاصة و كان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن و يكره الريح الردية و يستاك عند الوضوء و يردف خلفه عبده أو غيره و يركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار و يركب الحمار بلا سرج و عليه العذار و يمشي راجلا و يشيع الجنائز و يعود المرضى في أقصى المدينة يجالس الفقراء و يؤاكل المساكين و يناولهم بيده و يكرم أهل الفضل في أخلاقهم و يتألف أهل الشر بالبر لهم يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله و لا يجفو على أحد يقبل معذرة المعتذر إليه و كان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه القرآن أو تجر عظة و ربما ضحك من غير قهقهة لا يرتفع على عبيده و إمائه في مأكل و لا في ملبس ما شتم أحدا بشتمة و لا لعن امرأة و لا خادما بلعنة و لا لاموا أحدا إلا قال دعوه لا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته و لا يجزي بالسيئة السيئة و لكن يغفر و يصفح يبدأ من لقيه بالسلام و إذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة و كان لا يقوم و لا يجلس إلا على ذكر الله و كان لا يجلس أليه أحد و هو يصلي إلا خفف صلاته و أقبل عليه و قال أ لك حاجة و كان يجلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك و كان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة و كان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط له ثوبه و يؤثر الداخل بالوسادة التي تحته و كان في الرضى و الغضب لا يقول إلا حقا و كان يأكل القثاء بالرطب و الملح و كان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ و العنب و أكثر طعامه الماء و التمر و كان يتمجع اللبن بالتمر و يسميهما الأطيبين و كان أحب الطعام إليه اللحم و يأكل الثريد باللحم و كان يحب القرع و كان يأكل لحم الصيد و لا يصيده و كان يأكل الخبز و السمن و كان يحب من الشاة الذراع و الكتف و من الصباغ الخل و من التمر العجوة و من البقول الهندباء و كان يمزح و لا يقول إلا حقا. و مما جاء في صفته أنه كان يسأل عن أصحابه فان كان أحدهم غائبا دعا له و إن كان شاهدا زاره و إن كان مريضا عاده و إذا لقيه الرجل فصافحه لم ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها و لا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه و إذا لقيه أحد فقام معه أو جالسه أحد لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه و ما وضع أحد فمه في أذنه إلا استمر صاغيا حتى يفرغ من حديثه و يذهب. و كان ضحوك السن أشد الناس خشية و خوفا من الله و ما ضرب امرأة له و لا خادما يسبق حلمه غضبه و لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما أحسن الناس خلقا و أرجحهم حلما و أعظمهم عفوا أجود بالخير من الريح المرسلة أشجع الناس قلبا و أشدهم بأسا و أشدهم حياء أشد حياء من العذراء في خدرها و إذا أخذه العطاس وضع يده أو ثوبه على فيه يحب الفال الحسن و يغير الاسم القبيح بالحسن يشاور أصحابه في الأمر أكثر الناس إغضاء عن العورات إذا كره شيئا عرف في وجهه و لم يشافه أحدا بمكروه حتى إذا بلغه عن أحد ما يكره لم يقل ما بال فلان يقول أو يفعل كذا بل ما بال أقوام أوسع الناس صدرا ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال لبيك يخالط أصحابه و يحادثهم و يداعب صبيانهم و يجلسهم في حجره يجيب دعوة الحر و العبد و الأمة و المسكين و لا يدعوه أحمر و لا أسود من الناس إلا أجابه لم ير قط مادا رجليه بين أصحابه و لا مقدما ركبتيه بين يدي جليس له قط -و قال أنس- خدمت رسول الله عشر سنين فما رأيته قط أدنى ركبتيه من ركبة جليسه -إلى أن قال- و ما قال لشيء صنعته لم صنعت كذا و لقد شممت العطر فما شممت ريح شيء أطيب ريحا من رسول الله يدعو أصحابه بأحب أسمائهم و يكنيهم و إذا سمع بكاء الصغير و هو يصلي خفف صلاته.أكثر الناس شفقة على خلق الله و أرأفهم بهم و أرحمهم بهم أوصل الناس للرحم و أقومهم بالوفاء و حسن العهد يأكل على الأرض و قال آكل كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد يلبس الغليظ و يحب التيامن في شأنه كله في طهوره و ترجله و تنعله يعود المساكين بين أصحابه و يعلف ناضحه و يقم البيت و يجلس و يأكل مع الخادم و يحمل بضاعته من السوق لا يجمع في بطنه بين طعامين أرجح الناس عقلا و أفضلهم رأيا.ما سئل شيئا قط فقال لا إذا أراد أن يفعل قال نعم و إذا لم يرد أن يفعل سكت و كان إذا جاء شهر رمضان أطلق كل أسير و أعطى كل سائل و كان أصبر الناس على أوزار الناس و إذا مشى أسرع ليس بالعاجز و لا الكسلان و ما رئي يأكل متكئا قط.و كثيرا ما يصلي في نعليه و يلبس القلانس اللاطئة و يلبس القلنسوة تحت العمامة و بدون عمامة و يتعمم بدون قلنسوة و كان له عمامة سوداء دخل يوم فتح مكة و هو لابسها و كان يلبسها في العيدين و يرخيها خلفه و روي أنها كانت تسعة أكوار و قال بعضهم الظاهر إنها كانت نحو عشرة أذرع -بذراع اليد- و كانت له بردة يخطب فيها توارثها الخلفاء و ادعوا أنها بردته . و مما جاء في وصفه انه كان حسن الإصغاء إلى محدثه لا يلوي عن أحد وجهه و لا يكتفي بالاستماع إلى من يحدثه بل يلتفت إليه بكل جسمه و كان قليل الكلام كثير الإنصات ميالا للجد من القول و يضحك إحيانا حتى تبدو نواجذه فإذا غضب لم يظهر من أثر غضبه إلا نفرة عرق بين حاجبيه.
قصة زينب بنت جحش
هذه القصة تستحق التمحيص فقد نزل فيها القرآن الكريم و اشتملت على عدة أحكام خالفت أحكام الجاهلية و ذكر فيها بعض المفسرين من المسلمين ما يشوهها و يخرجها عن حقيقتها كما ذكروا في قصة يوسف و زليخا و داود و امرأة أوريا.مثل أن رسول الله جاء إلى منزل زوجها زيد و كان غائبا فرآها تغتسل فقال سبحان خالقك أو أن الهواء رفع الستر فرآها نائمة فوقعت في نفسه فقال شبه ذلك و أنه لما جاء زيد أخبرته فظن إنها وقعت في نفسه فأراد طلاقها ليتزوجها رسول الله فقال له أمسك عليك زوجك و نحو ذلك و استغل ذلك من يريد عيب الإسلام. و الحقيقة أن زينب كانت بنت عمة رسول الله لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب و قد كان يعرفها طفلة و شابة و هي بمنزلة إحدى بناته و هذا يكذب أنه لما رآها وقعت في قلبه ثم هو الذي خطبها على زيد مولاه و ساق عنه المهر فلو كان لها هذا الجمال البارع و هذه لمكانة ]المكانة[ من قلبه لخطبها إلى أهلها بدلا من أن يخطبها على مولاه و لكان أهلها أسرع إلى إجابته من إجابتهم إلى تزويجها بمولاه و عتيقه و احتمال أنها وقعت في قلبه بعد ما تزوجت و لم تقع في قلبه و هي خلية سخيف كما ترى فإن دواعي الطبيعة قبل تزوجها أكثر و أشد و لكن زينب كانت تستطيل على زيد بقربها من رسول الله و إنها ابنة عمته و إنها قرشية و هو مولى و العرب ترى التزوج بالموالي عارا و إنما زوجها رسول الله بزيد كسرا لنخوة الجاهلية و رغما عن إبائها و إباء عمها عبد الله حتى نزل فيهما على بعض الروايات و ما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا فلم يجدا بدا من إطاعة أمر رسول الله و كان تزويجها بزيد عن غير رغبة منها أحد أسباب نفورها منه.فاشتكى زيد إلى رسول الله مرارا سوء خلقها معه و أراد طلاقها و الرسول يقول له أمسك عليك زوجك.ثم لما طال به الأمر طلقها و كان رسول الله قد تبناه فكان يقال له زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فقيل زيد بن حارثة و كان أهل الجاهلية يجرون على المتبني أحكام الابن النسبي من الميراث و تحريم النكاح فأنزل الله تعالى: و ما جعل أدعياءكم ابناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل. فلما طلقها أراد رسول الله أن يتزوجها ليمحو تلك العادة الجاهلية بالفعل كما محيت بالقول و بقي في نفسه بعض الإحجام لما عسى أن يقوله الناس في مخالفة هذه العادة المتأصلة في نفوسهم فيقولوا تزوج زوجة ابنه فخاطبه الله تعالى مقويا عزيمته بقوله: و تخفي في نفسك ما الله مبديه و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه فنفذ ما أمره الله تعالى به من إبطال أحكام الجاهلية و تزوجها فنزل قوله تعالى: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا و كان أمر الله مفعولا.
أولاده
-1- القاسم و به كان يكنى عاش حتى مشى و مات بمكة -2- عبد الله و يلقب بالطيب و الطاهر لولادته بعد الوحي ولد بمكة بعد الإسلام و مات بها و بعضهم يعد الطيب و الطاهر اثنين -3- فاطمة و هي صغرى بناته تزوجها علي عليه السلام بعد الهجرة -4- زينب و هي كبراهن تزوجها قبل الإسلام أبو العاص القاسم.قال المرزباني في معجم الشعراء: و هو الثبت و يقال لقيط و يقال مهشم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف.و هو ابن أخت خديجة أمه هالة بنت خويلد فمحمد النبي صهره -5- رقية -6- أم كلثوم زوجهما النبي من عتبة و عتيبة ابني عمه أبي لهب فلما جاء الإسلام بلغ من عداوة قريش للنبي أن قالوا فرغتم محمدا من همه بتزويج بناته فقالوا لأبي العاص طلق ابنة محمد و نزوجك بنت من أردت من قريش فأبى و طلبوا مثل ذلك إلى عتبة و عتيبة فطلقا زوجتيهما فتزوجهما عثمان واحدة بعد واحدة و أم الكل خديجة -7- إبراهيم بن مارية القبطية ولد بالمدينة و مات و هو ابن »ثمانية عشر شهرا«.
أعمامه
أبو طالب و اسمه عبد مناف و الزبير و حمزة و المقوم و العباس و ضرار و الحارث و قثم و أبو لهب و اسمه عبد العزى و الغيداق و اسمه مصعب أو نوفل و زاد بعضهم جحل و اسمه المغيرة و عبد الكعبة. عماته صفية أم الزبير بن العوام و هي شقيقة حمزة و عاتكة و أم حكيم و برة و أميمة و أروى...
شعراؤه
حسان بن ثابت و عبد الله بن رواحة و كعب بن مالك. مؤذنوه بلال و ابن أم مكتوم بالمدينة و سعد القرط مولى عمار بن ياسر بقبا
[عدل] سلاحه
كان له تسعة سيوف منها ذو الفقار و سبع دروع منها ذات الفضول و ست قسي و ثلاث أتراس و رمحان و ثلاث حراب و خوذتان. دوابه »أفراسه«أربع لزاز و الظرب و المرتجز و اليعسوب و قيل ست فزيد السكب و اللحيف»و نوقه«المعدة للركوب ثلاث القصواء و العضباء و الصهباء»و بغاله«ست أشهرها دلدل و كانت شهباء»و حمره«اثنان أحدهما يعفور. نقش خاتمه »محمد رسول الله« ثلاثة أسطر و قيل كان نقش خاتمه -أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله- و كان خاتمه من حديد ملوي عليه فضة.
المبعث
بعث رسول الله بالنبوة في السابع و العشرين من شهر رجب يوم الإثنين على ما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام و عمره »أربعون سنة«.و كان قبيل البعثة يختلي للعبادة في غار في أعلى جبل يقال له حراء على ثلاثة أميال من شمال مكة فبقي على ذلك عدة سنين و في ذلك الغار نزل عليه الوحي و كان أوله الرؤيا الصادقة روى البخاري و مسلم أن أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا ألا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه -و هو التعبد- الليالي ذوات العدد حتى فجاه الحق و هو في غار حراء فجاءه الملك فقال: -اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم- فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة ما لي؟و أخبرها الخبر و قال قد خشيت علي فقالت له كلا ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا أنك لتصل الرحم و تصدق الحديث و تحمل الكل و تقري الضعيف ]الضيف[ و تعين على نوائب الحق و روى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن عكرمة و الحسن أن أول ما أنزل سورة العلق ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سئل أي القرآن أنزل قبل قال يا أيها المدثر قبل أو اقرأ باسم ربك فذكر أن رسول الله حدثه قال جاورت بحراء شهرا ثم نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي و خلفي و عن يميني و عن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو في الهواء يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء فأنزل الله علي -يا أيها المدثر قم فأنذر- . ثم جمع بين الروايتين بالحديث عن جابر عن النبي بينما أنا أمشي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء و الأرض فجثثت -1- أي فزعت. منه رعبا فوجعت فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله: يا أيها المدثر. قال الطبرسي في مجمع البيان بعد نقل ذلك: و في هذا ما فيه لأن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة و الآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها و لا يفزع و لا يفرق و قيل إنه كان قد تدثر بشملة صغيرة لينام فنزلت و قيل أول ما أنزل سورة الفاتحة ففي مجمع البيان أن الحاكم روى بسنده أن رسول الله قال لخديجة إذا خلوت سمعت نداء فقالت ما يفعل الله بك إلا خيرا فو الله أنك لتؤدي الأمانة و تصل الرحم و تصدق الحديث قالت خديجة فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى و هو ابن عم خديجة و كان من أهل العلم الأول فأخبره رسول الله بما رأى فقال له ورقة إذا أتاك فاثبت له حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى بلغ و لا الضالين قل لا إله إلا الله فأتى ورقة فذكر له ذلك فقال له أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم و أنك على مثل ناموس موسى و أنك نبي مرسل و أنك سوف تؤمر بالجهاد و لئن أدركني ذلك لأجاهدن معك و روي أن ورقة قال في ذلك شعرا: فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي حديثك إيانا فأحمد مرسل و جبريل يأتيه و ميكال معهما من الله وحي يشرح الصدر ينزل يفوز به من فاز عزا لدينه و يشقي به الغاوي الشقي المضلل فريقان منهم فرقة في جنانه و أخرى بإغلال الجحيم تغلل أقول و في هذا أيضا ما فيه كما سبق عن مجمع البيان من أن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة و لم يكن ورقة أعرف بالله و بآياته منه حتى يأتي إليه و يستثبت منه و يوشك أن تكون هذه الروايات كروايات الغرانيق الآتية و سهوه في الصلاة و شبه ذلك.
انقطاع الوحي عن رسول الله و سلم
في مجمع البيان: احتبس عنه الوحي خمسة عشر يوما عن ابن عباس و قيل اثني عشر يوما عن ابن جريح و قيل أربعين يوما عن مقاتل قال ابن عباس فقال المشركون إن محمدا قد ودعه ربه و قلاه -ودعه- تركه -و قلاه- أبغضه و لو كان أمره من الله لتتابع عليه الوحي فنزلت -و الضحى و الليل إذا سجى ما ودعك ربك و ما قلى- و روى الواحدي في أسباب النزول عن البخاري و مسلم أن امرأة من قريش قالت له ما أرى شيطانك إلا ودعك فنزلت و حكى الطبرسي في مجمع البيان أن القائلة له ذلك هي أم جميل بنت حرب زوجة أبي لهب.و روى الواحدي في أسباب النزول أنه أبطأ جبريل عن النبي فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة قد قلاك ربك لما يرى من جزعك فنزلت -أقول- الصواب أن القائل له ذلك المشركون أو أم جميل أو الجميع أما خديجة فكانت أعرف بمقام رسول الله من أن تقابله بهذا الكلام و كانت عادتها إذا رأت منه ما يهمه أن تسليه لا أن تزيد في همه و تجابهه بقولها: قد قلاك ربك.
القرآن الكريم
و أنزل الله تعالى على نبيه حين بعثه بالنبوة قرآنا عربيا مبينا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أعجز به البلغاء و أخرس الفصحاء و تحداهم فيه بالمعارضة و عجزهم فلم يستطيعوا معارضته و هم أفصح العرب و إليهم تنتهي الفصاحة و البلاغة فحوى من أحكام الدين و أخبار الماضين و تهذيب الأخلاق و الأمر بالعدل و النهي عن الظلم و تبيان كل شيء ما يزال يتلي على كر الدهور و مر الأيام و هو غض طري يحير ببيانه العقول و لا تمله الطباع مهما تكررت تلاوته و تقادم عهده.
وفاة النبي
قال ابن إسحق ثم قفل رسول الله فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة و المحرم و صفرا و ضرب على الناس بعثا إلى الشام و أمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه و أمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء و الداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس و أوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون و هو آخر بعث بعثه و في رواية الطبري في تاريخه أمره أن يطئ آبل الزيت من مشارف الشام لأرض بالأردن : و قال ابن سعد في الطبقات : سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل أبنى و هي أرض السراة ناحية البلقاء .قالوا كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أبنى و حرق عليهم و أسرع السير تسبق الأخبار فإن ظفرك الله فأقل اللبث فيهم و خذ معك الأدلاء و قدم العيون و الطلائع أمامك فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحم و صدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال أغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج و عسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين و الأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر و عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن ]أبي[ وقاص و سعيد بن زيد و غيرهم فتكلم قوم و قالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فغضب رسول الله غضبا شديدا فخرج و قد عصب على رأسه عصابة فصعد المنبر فحمد الله و اثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة و لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في أمارتي أباه من قبله و ايم الله إن كان للإمارة لخليقا و إن ابنه من بعده لخليق للإمارة ثم نزل فدخل بيته و ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول و ثقل رسول الله فجعل يقول انفذوا بعث أسامة و روى ابن هشام في سيرته أن رسول الله استبطا الناس في بعث أسامة و هو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر و قال انفذوا بعث أسامة ثم نزل و انكمش الناس في جهازهم»اه« ثم قال ابن سعد في روايته بسنده عن عروة بن الزبير فجعل أسامة و أصحابه يتجهزون و قد عسكر بالجرف فاشتكى رسول الله و هو